کد مطلب:370256 یکشنبه 20 خرداد 1397 آمار بازدید:645

الفصل الثانی عائشة.. والخوارج












الصفحة 234












الصفحة 235


«الخوارج» یسبون عائشة:


قد عرفنا.. أن هؤلاء، الذین أجبروا أمیر المؤمنین (علیه السلام) على التحكیم، هم أنفسهم الذین عادوا وحكموا علیه بالكفر لقبوله بما أكرهوه علیه.. وحكموا على عثمان أیضاً بالكفر من أجل مخالفات صدرت منه فی السنین الأخیرة..


وحكموا على عائشة كذلك بالكفر، بسبب ما أحدثته من أمور بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله). فقد ورد: أنها سألت أبا قتادة الأنصاری. ومن كان من الأنصار الستین أو السبعین رجلاً، بعد رجوعهم من قتال «الخوارج» مع أمیر المؤمنین (علیه السلام) ـ سألتهم عما كان «الخوارج» یقولونه:


فقال لها أبو قتادة الأنصاری: «یسبون أمیر المؤمنین، وعثمان، وأنت، ویكفرونكم، فلم نزل نقاتلهم، وعلی (علیه السلام) بین أیدینا، وتحته بغلة النبی الخ».


ثم تذكر الروایة: أن علیاً (علیه السلام) قال لهم: لا تتبعوا مولیاً.


ثم تذكر أیضاً: حدیث ذی الثدیة..


ثم روایة: عائشة لهم ما سمعته من النبی (صلى الله علیه وآله) فی ذم «الخوارج»، وأنه «یقتلهم أحب الخلق إلى الله ورسوله. قال أبو قتادة: قلت: قد علمت












الصفحة 236


هذا، فلم كان منك ما كان؟!


فقالت: وكان أمر الله قدراً مقدورا».


وفی نص آخر: أنها اعتذرت عن ذلك بأنها كانت قد وجدت علیه بسبب موقفه من قصة الإفك، فكان منها تجاهه ما كان، قالت: «وأنا الآن فاستغفر الله مما فعلته»(1).


وحسب نص الخطیب البغدادی:


لما فرغ علی بن أبی طالب من قتال أهل النهروان، قفل أبو قتادة الأنصاری، ومعه ستون أو سبعون من الأنصار. قال: فبدأ بعائشة. قال أبو قتادة: فلما دخلت علیها قالت: ما وراءك، فأخبرتها أنه لما تفرقت المحكمة من عسكر أمیر المؤمنین لحقناهم فقتلناهم.


فقالت: ما كان معك من الوفد غیرك؟!


قال: بلى، ستون أو سبعون.


قالت: أفكلهم یقول مثل الذی تقول؟


قلت: نعم قالت: قص علی القصة.


فقلت: یا أم المؤمنین، تفرقت الفرقة، وهم نحو من اثنی عشر ألفاً، ینادون لا حكم إلا لله.


فقال علی: كلمة حق یقال یراد بها باطل.


____________



(1) راجع فیما تقدم: تذكرة الخواص ص 104 و105 وبهج الصباغة ج7 ص 120 وتاریخ بغداد ج1 ص 160 وعنه فی الغدیر للأمینی ج7 ص 154.













الصفحة 237


فقاتلناهم بعد أن ناشدناهم الله وكتابه.


فقالوا: كفر عثمان، وعلی، وعائشة، ومعاویة.


فلم نزل نحاربهم، وهم یتلون القرآن، فقاتلناهم وقاتلونا، وولى منهم من ولّى.


فقال علی: لا تتبعوا مولیاً.


فأقمنا ندور على القتلى، حتى وقفت بغلة رسول الله (صلى الله علیه وآله) وعلی راكبها، فقال:


إقلبوا القتلى، فأتیناه، وهو على نهر فیه القتلى فقلبناهم، حتى خرج فی آخرهم رجل أسود على كتفه مثل حلمة الثدی.


فقال علی: الله أكبر، والله، ما كذبت ولا كذبت، كنت مع النبی (صلى الله علیه وآله)، وقد قسم فیئاً فجاء هذا، فقال: یا محمد، اعدل، فوالله ما عدلت منذ الیوم.


فقال النبی (صلى الله علیه وآله): ثكلتك أمك، ومن یعدل علیك إذا لم أعدل؟!


فقال عمر بن الخطاب: یا رسول الله، ألا اقتله؟.


فقال النبی (صلى الله علیه وآله): لا، دعه فإن له من یقتله.


وقال صدق الله ورسوله.


قال: فقالت عائشة: ما یمنعنی ما بینی وبین علی أن أقول الحق. سمعت النبی (صلى الله علیه وآله) یقول: تفترق أمتی على فریقین، تمرق بینهما فرقة محلقون رؤوسهم، محفون شواربهم، أزرهم إلى أنصاف سوقهم، یقرؤون القرآن، لا یتجاوز تراقیهم، یقتلهم أحبهم إلی، وأحبهم إلى الله تعالى.












الصفحة 238


قال: فقلت: یا أم المؤمنین، فأنت تعلمین هذا! فلم كان الذی منك؟


قالت: یا أبا قتادة، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وللقدر أسباب(1).


نظرة فی اعتذار عائشة:


ونقول: إن من جملة ما یلفت النظر فیما یرتبط بالنصوص المتقدمة التالیة:


1 ـ إن الظاهر هو أن الشیخ المفید رحمه الله تعالى قد أخذ قوله بأن من أسباب حرب الجمل، هو حقد عائشة على أمیر المؤمنین (علیه السلام)، بسبب موقفه (علیه السلام) فی قصة الإفك ـ أخذه ـ من هذه الروایة، ومن عائشة نفسها.


لكننا قد أثبتنا فی الجزء الثانی عشر من كتابنا [الصحیح من سیرة النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله)]، وفی كتاب مستقل أسمیناه [حدیث الإفك]، وهو مطبوع فی بیروت: أن هذه القضیة مزیفة، ولا یمكن أن تصح، وأن الإفك إنما كان على ماریة لا على عائشة.. وأن نسبة ذلك إلى عائشة قد كان بسعی من أم المؤمنین نفسها لتفوز بالبراءة الإلهیة.. وربما لغیر ذلك من أسباب.. وقد أخذه الشیخ المفید، وهو غافل عن حقیقة الأمر، ومن دون تحقیق علمی كاف.


وها هی عائشة هنا تحاول التأكید على هذا الأمر بادعاء أنها كانت واجدة على علی (علیه السلام) بسبب موقفه من حدیث الافك.


فإذ قد ثبت أن القصة مفتعلة، فكل الآثار التی یراد ترتیبها علیها،


____________



(1) تاریخ بغداد ج 1 ص 160.













الصفحة 239


تصبح بلا قیمة، وتدخل فی دائرة الكید الإعلامی والسیاسی الذی لا یعود بعائدة، ولا یفید أیة فائدة على صعید تحقیق الحق، وإثبات ما هو واقع..


ولعل أم المؤمنین قد حقدت على أمیر المؤمنین، من أجل تبرئته لماریة بالطریقة القاطعة لأی عذر والمزیلة لأی شبهة أو ریب. وكان موقفه (علیه السلام) هو النكیر على الافكین الحقیقیین، وإظهار زیفهم، وإسقاط الأقنعة عن وجوههم.


2 ـ قد وردت عدة نصوص عن عائشة، تدین فیها «الخوارج»، وتذكر ما سمعته عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی ذمّهم، ومدح من یقتلهم..


والذی نعهده من عائشة هو حرصها الأكید على عدم ذكر أی شیء فی فضل علی (علیه السلام). كما ظهر من حدیثها الذی تذكر فیه خروج النبی (صلى الله علیه وآله) فی مرضه الذی توفی فیه إلى الصلاة متوكئاً على الفضل بن العباس، ورجل آخر [لم تذكر اسمه بغضاً] منها له، هو علی (علیه السلام).


غیر أنها هنا لم تملك نفسها فصرحت بفضیلة كبرى لعلی علی السلام.. ولعل ذلك بسبب انفعالها وحماسها الذی أثاره ما سمعته عن «الخوارج» من أنهم یسبونها، ویكفرونها، والله هو العالم بحقیقة الدوافع والنوایا..


3 ـ واللافت هنا: أننا نجد بعض النصوص تقول:


إن علیاً (علیه السلام) قال: «لقد علم أولو العلم من آل محمد، وعائشة بنت أبی بكر، فاسألوها: إن أصحاب ذی الثدیة ملعونون على لسان النبی الأمی (صلى الله علیه وآله)».












الصفحة 240


وفی روایة: «إن أصحاب النهروان»(1).


فهو (علیه السلام) یوجه الأنظار إلى موقف عائشة، الذی سیأخذه محبوها وغیرهم على مأخذ الجد أكثر من مواقف غیرها من الصحابة، وهی العدوة اللدود لعلی (علیه السلام)، والتی لا تطیق أن تذكره بخیر أبداً، وهی زوجة النبی وبنت الخلیفة الأول، ومدللة الخلیفة الثانی، ولها امتداد واسع ونفوذ قوی لدى جمیع المخالفین لأمیر المؤمنین (علیه السلام)، والذین ما فتئوا یعملون على تقویض حكمه وطمس فضائله، وتعظیم أعدائه وإطرائهم.


4 ـ قد ظهر من النص المتقدم نقله عن علی (علیه السلام)، فیما یرتبط بما ینقله الصحابة وعائشة عن رسول الله فی ذم أصحاب ذی الثدیة: أن علیاً (علیه السلام) یرید أن یرسخ الاعتقاد بالإخبارت الغیبیة التی تحكی قضیته مع أعدائه، وتؤكد حقانیة موقفه..


وما ركوبه لبغلة رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی حربه للخوارج وإصراره على الاخبارات الغیبیة المتنوعة فی أكثر من مورد فی حربه مع «الخوارج» وغیرهم إلا للتأكید على صلته برسول الله (صلى الله علیه وآله) واختصاصه به، ولتكذیب ما یحاول أعداؤه ومناوؤوه أن یكیدوه به.


5 ـ إن عائشة تعتذر عما فعلته مع علی (علیه السلام)، حینما واجهته بالحرب، التی حصدت الألوف من المسلمین ـ تعتذر عن ذلك بالجبر الإلهی، وهی العقیدة التی أسسها عمر بن الخطاب، ثانی الحكام بعد رسول الله، وتبعه فی ذلك، معاویة ثم یزید فیما یرتبط بقتله للإمام


____________



(1) مجمع الزوائد ج 6 ص 239 وقال: رواه الطبرانی فی الصغیر والاوسط بأسنادین وقال: رجال أحدهما ثقات. وتاریخ بغداد ج 13 ص 282 ولیس فیه ذكر عائشة.













الصفحة 241


الحسین (علیه السلام). وهكذا فعل غیرهم من الحكام والأمراء من الأمویین وغیرهم، وأصبح ذلك جزءاً من عقائد فریق كبیر من الناس فی داخل المجتمع الإسلامی.


وهی عقیدة مأخوذة من الیهود، وكانت مستقرة فی عقول المشركین. فراجع كتابنا «أهل البیت فی آیة التطهیر» وغیره.


موقف عائشة من «الخوارج»:


وقد ذكر عاصم بن كلیب عن أبیه: أن رجلاً أراد أن یكلم أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی أمر، فشغل (علیه السلام) عنه، فسألوا ذلك الرجل عن ذلك.


فقال: إنی كنت فی العمرة، فدخلت على أم المؤمنین عائشة، فقالت: ما هؤلاء الذین خرجوا قبلكم، یقال لهم: حروراء.


فقلت: قوم خرجوا إلى أرض قریة منا، یقال لها حروراء.


قالت: فشهدت هلكتهم؟!


قال عاصم: فلا أدری ما قال الرجل: نعم، أم لا.


فقالت عائشة: أما إن ابن أبی طالب لو شاء حدثكم حدیثهم.


فجئت أسأله عن ذلك.


فلما فرغ علی مما كان فیه، قال: أین الرجل المستأذن؟.


فقام فقص علیه ما قص علینا. قال: فأهلّ علی وكبر، وقال: دخلت [على] رسول الله (صلى الله علیه وآله)، ولیس عنده غیر عائشة، فقال: كیف أنت یا ابن أبی طالب؟ وقوم كذا وكذا؟!


فقلت: الله ورسوله أعلم.












الصفحة 242


فأعادها، فقلت: الله ورسوله أعلم.


قال: قوم یخرجون من قبل المشرق، ویقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم(1).


عائشة تطلب البینة على المخدج:


عن مسروق قال:


قالت عائشة: یا مسروق، انك من ولدی، وإنك من أحبهم إلی، فهل عندك علم من المخدج؟.


قال: قلت: نعم، قتله علی بن أبی طالب على نهر یقال لأعلاه: تامرّا، ولأسفله النهراون بین حقایق وطرفاء.


قالت: إبغنی على ذلك بینة.


فأتیتها بخمسین رجلاً من كل خمسین بعشرة ـ وكان الناس إذ ذاك أخماساً ـ یشهدون: أن علیاً (علیه السلام) قتله على نهر یقال لأعلاه: تامرا، ولأسفله النهروان بین حقایق وطرفاء.


فقلت: یا أمّه، أسألك بالله، وبحق رسول الله صلى الله علیه، وبحقی ـ فإنی من ولدك ـ أی شیء سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول فیه؟!.


قالت: سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول: هم شر الخلق والخلیقة، یقتلهم خیر الخلق والخلیقة، وأقربهم عند الله وسیلة.(2)


____________



(1) كشف الأستار ج2 ص 362 و363، ومجمع الزوائد ج6 ص238 عنه وعن أبی یعلى ورجاله ثقات.


(2) مناقب علی ابن أبی طالب لابن المغازلی ص 56 وفی هامشه عن مجمع الزوائد ج6


=>













الصفحة 243


وهذه الحادثة هی غیر ما جرى لها مع عبد الله بن شداد، وهی التالیة:


ابن شداد یروی لعائشة:


وقد روى أحمد بسنده عن عبید الله بن عیاض بن عمرو القاری، قال: جاء عبد الله بن شداد، فدخل على عائشة (رض) ونحن عندها جلوس ـ مرجعه من العراق لیالی قتل علی رضی الله عنه ـ فقالت له:


یا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقی عما أسألك عنه؟ تحدثنی عن هؤلاء القوم الذین قتلهم علی رضی الله عنه.


قال: ومالی لا أصدقك؟!


قالت: فحدثنی عن قصتهم.


قال: فان علیاً لما كاتب معاویة، وحكم الحكمان، خرج علیه ثمانیة آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض یقال لها حروراء من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا علیه، فقالوا:


انسلخت من قمیص ألبسكه الله تعالى، واسم سماك الله تعالى به. ثم انطلقت فحكمت فی دین الله، فلا حكم إلا لله تعالى.


فلما ان بلغ علیاً رضی الله عنه ما عتبوا علیه، وفارقوه علیه، فأمر مؤذناً فأذن ان لا یدخل على أمیر المؤمنین إلا رجل قد حمل القرآن.


فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس، دعا بمصحف إمام عظیم، فوضعه بین یدیه، فجعل یصكّه بیده، ویقول:


____________



<=


ص239 وقال: رواه الطبرانی، وتراه فی أرجح المطالب ص599 ط لاهور وفیه [فأتیتها من كل سبع برجل]. وشرح النهج للمعتزلی ج2 ص267، والبحار ج38 ص15 و16..













الصفحة 244


أیها المصحف! حدّث الناس!


فناداه الناس، فقالوا: یا أمیر المؤمنین: ما تسأل عنه؟ إنما هو مداد فی ورق، ونحن نتكلم بما روینا منه، فماذا ترید؟!


قال: أصحابكم هؤلاء الذین خرجوا بینی وبینهم كتاب الله.


یقول الله تعالى فی كتابه، فی امرأة ورجل:


وإن خفتم شقاق بینهما، فابعثوا حكماً من أهله، وحكماً من أهلها، إن یریدا إصلاحاً یوفق الله بینهما.


فأمة محمد (صلى الله علیه وآله) أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل. ونقموا علیّ: أن كاتبت معاویة: كتب علی بن أبی طالب، وقد جاءنا سهیل بن عمرو، ونحن مع رسول الله (صلى الله علیه وآله) بالحدیبیة حین صالح قومه قریشاً، فكتب رسول الله (صلى الله علیه وآله): بسم الله الرحمن الرحیم.


فقال سهیل بن عمرو: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحیم.


فقال: كیف نكتب؟


فقال: أكتب باسمك اللهم.


فقال رسول الله (صلى الله علیه وآله): فاكتب: محمد رسول الله.


فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك.


فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قریشاً.


یقول الله تعالى فی كتابه: (لقد كان لكم فی رسول الله أسوة حسنة لمن كان یرجو لقاء الله والیوم الآخر).


فبعث إلیهم علی عبد الله بن عباس رضی الله عنه، فخرجت معه، حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء یخطب الناس، فقال:












الصفحة 245


یا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس (رض) فمن لم یكن یعرفه، فأنا أعرّفه من كتاب الله ما یعرفه به. هذا ممن نزل فیه وفی قومه: قوم خصمون؛ فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله.


فقام خطباؤهم، فقالوا: والله، لنواضعنه كتاب الله؛ فإن جاء بحق نعرفه لنتبعه. وإن جاء بباطل لنبكتنّه بباطله.


فواضعوا عبد الله بن عباس الكتاب ثلاثة أیام.


[وقد ذكرت روایة ابن عساكر أنهم ذكروا أنهم نقموا على أمیر المؤمنین: انه قاتل ولم یسب ولم یغنم، فإن كان القوم كفاراً فقد أحل الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غیر ذلك فقد استحل ما صنع بهم.


ثم إنه حكم الرجال فی دین الله، والله یقول: إن الحكم إلا لله. وإنه محا اسمه من امرة المؤمنین فإن لم یكن أمیر المؤمنین فهو أمیر الكافرین.


فأجابهم ابن عباس بنحو كلام أمیر المؤمنین السابق، وأنه قد حكم فی الصید وبین الزوجین، وأن النبی (صلى الله علیه وآله) قد محا كلمة [رسول الله] یوم الحدیبیة، وأنه لا یحل سبی عائشة.


فإن قلتم: إنما یستحل منها ما یستحل من المشركات بعد قول الله تعالى: وأزواجه امهاتهم فقد خرجتم من الإسلام انتهت زیادات ابن عساكر.


فرجع منهم أربعة الاف، كلهم تائب، فیهم ابن الكواء، حتى ادخلهم على علیّ الكوفة.


فبعث علی (رض) إلى بقیتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأیتم؛ فقفوا حیث شئتم، حتى تجتمع امة محمد (صلى الله علیه وآله) بیننا












الصفحة 246


وبینكم أن لا تسفكوا دما حراماً، أو تقطعوا سبیلاً، أو تظلموا ذمّة (الأمة)، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إلیكم الحرب على سواء؛ (إن الله لا یحب الخائنین).


فقالت له عائشة (رض): یا ابن شداد، فلم قتلهم؟


فقال: والله، ما بعث إلیهم حتى قطعوا السبیل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة.


فقالت: آلله؟


قال: آلله الذی لا إله إلا هو لقد كان.


قالت: فما شیء بلغنی عن أهل الذمة یتحدثونه، یقولون: ذو الثدی، وذوالثدی؟


قال: قد رأیته، وقمت مع علی رضی الله عنه علیه فی القتلى، فدعا الناس؛ فقال: أتعرفون هذا؟


فما أكثر من جاء یقول: قد رأیته فی مسجد بنی فلان یصلی، ورأیته فی مسجد بنی فلان یصلی.. ولم یأتوا فیه بثبت یعرف إلا ذلك..


قالت: فما قول علی رضی الله عنه حین قام علیه كما یزعم أهل العراق؟


قال: سمعته یقول: صدق الله ورسوله قال: هل سمعت منه: أنه قال غیر ذلك؟!.


قالت: اللهم لا.


قالت: أجل، صدق الله ورسوله، یرحم الله علیاً رضی الله عنه:


إنه كان من كلامه، لا یرى شیئاً یعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله،












الصفحة 247


فیذهب أهل العراق یكذبون علیه، ویزیدون علیه فی الحدیث(1).


وفی نص آخر: عن یزید بن أبی زیاد قال: سألت سعید بن جبیر عن أصحاب النهر، فقال: حدثنی مسروق.


قال: سألتنی عائشة رضی الله عنها [و] عنهم، فقالت: هل أبصرت أنت الرجل الذی یذكرون، ذو الثدیة؟!


قال: فقلت: لم أره، ولكن شهد عندی من قد رآه.


قالت: فإذا قدمت الأرض فاكتب إلی بشهادة نفر قد رأوه.


قال فجئت والناس أسباع، قال: فكلمت من كل سبع عشرة ممن قد رآه.


قال.فقلت: كل هؤلاء عدل رضى؟!


فقالت: قاتل الله فلاناً. فإنه كتب إلی أنه أصابه بمصر(2).


وفی نص آخر: «لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب إلی یخبرنی: أنه قتله بالإسكندریة، إلا أنه لیس یمنعنی ما فی نفسی أن أقول ما سمعته من رسول الله (صلى الله علیه وآله)، یقول: یقتله خیر أمتی بعدی»(3).


____________



(1) مسند أحمد ج1 ص86 ـ 87 وترجمة الامام علی من تاریخ دمشق ج 3 ص 153 ـ 157 وتهذیب تاریخ دمشق ج7 ص 304 و 305 والمصنف للصنعانی ج10 ص 148 والبدایة والنهایة ج7 ص280 و281 وراجع كنز العمال ج 11 ص 278 ـ 280 عن أحمد والعدنی وابن عساكر وغیر ذلك. وفی هامشه عن منتخب كنز العمال أیضاً. ومجمع الزوائد ج 6 ص 235ـ37 عن أبی یعلى ورجاله ثقات ومستدرك الحاكم ج 2 ص 152 ـ 154 وتلخیصه للذهبی بهامشه.


(2) الجوهرة ص110 وراجع البدایة والنهایة ج7 ص 305 عن دلائل النبوة للبیهقی.


(3) شرح النهج للمعتزلی ج2 ص268 والبحار ج38 ص15.













الصفحة 248


ملاحظات على ما تقدم:


ونسجل هنا ما یلی:


1 ـ قد ظهر مما تقدم: أن هناك محاولة للتشكیك فی أمر ذی الثدیة وكون علی (علیه السلام) قد أصابه فی النهروان، حتى أن البعض یكتب لأم المؤمنین: أنه قد أصابه بمصر. فی محاولة وقحة للتزویر، والتجنی على الحقیقة والتاریخ، وعلى أمیر المؤمنین (علیه السلام) بالخصوص.


2 ـ إن عمرو بن العاص یحاول أن یكذب وینسب إلى نفسه قتل ذی الثدیة، بهدف الفوز بالثناء النبوی العظیم على قاتله. ویبعد ذلك عن أمیر المؤمنین (علیه السلام). رغم أن أمر ذی الثدیة ـ وانه قتل مع «الخوارج» كالنار على المنار، وكالشمس فی رابعة النهار.


3 ـ إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم یكن بحاجة إلى ذی الثدیة، فله (علیه السلام) من الفضائل والمناقب، ما لا یمكن حصره وعده.. ولكن الناس هم المحتاجون لذلك لكی یعرفوا الحق. ویفوزوا برضى الله، وبنصرة ولیه المظلوم.


أضف إلى ذلك: أن الناس لو كانوا واعین لحقائق الدین، وأحكامه، لظهر لهم: أن حرب «الخوارج» من أعظم القربات، وأجلها، وأن التوانی عن ذلك خسران عظیم، ومخالفة لأحكام الله.. وخروج عن جادة الحق والدین..


إن الأمة هی التی كانت بحاجة إلى الهدایة وإلى البیان، وكان هذا البیان الغیبی الذی یقهر العقل، ویتصل بالوجدان مباشرة، هو الأسلوب الأمثل فی مورد یحتاج إلى السرعة فی اتخاذ القرار، وإلى المبادرة، وإلى












الصفحة 249


الموقف الحازم والحاسم.


4 ـ إن عائشة قد اعترفت بأن أهل العراق كانوا یكذبون على علی أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ویزیدون علیه فی الحدیث.


5 ـ إن حدیث ابن شداد یشیر إلى أن من جملة الأمور التی دفعت بأمیر المؤمنین (علیه السلام) إلى حرب «الخوارج» أنهم قد استحلوا أهل الذمة.. مع أن من المعروف عنهم هو تحرّجهم من قتل أهل الذمة، وذلك یعنی: أنهم قد تجاوزوا فی الفساد والافساد كل حد، حتى تلك الحدود التی الزموا بها أنفسهم بصورة حازمة وصارمة.


مع وجود احتمال: أن یكونوا فی بدایات ظهورهم، لم یكونوا قد وضعوا تلك الحدود، ولا قالوا بتلك المقولات التفصیلیة، وإنما كانت تصدر منهم قضایا جزئیة وتصرفات فردیة. ثم أصبحت فیما بعد نهجاً وسمات عامة لهم بمرور الزمن.


مفارقات فی مواقف عائشة:


ونسجل هنا ملاحظة على مواقف عائشة، فإنها حین تسمع بأن «الخوارج» یكفرونها تندفع للافصاح عما سمعته من رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسلم من ذم للخوارج، ومن ثناء على قاتلهم.. ثم هی تبرؤه (علیه السلام) من أكاذیب أهل العراق، وزیاداتهم فی الحدیث علیه.


مع أننا نعرف:


أولاً: إنها فی حدیث منع الرسول (صلى الله علیه وآله) لأبیها عن إكمال الصلاة، وخروجه ـ وكان (صلى الله علیه وآله) مریضاً ـ وهو یتوكأ على رجلین من أهل بیته أحدهما الفضل العباس، تقول الروایة: فقال عبد الله بن عباس لعكرمة:












الصفحة 250


فلم تسم لك الآخر؟.


قال: لا والله ما سمته.


قال: أتدری من هو؟


قال: لا.


قال: ذلك علی ابن أبی طالب. وما كانت أمنا تذكره بخیر، وهی تستطیع(1).


فعائشة إذن لا تطیب نفسها بذكر اسم علی (علیه السلام)، حتى ولو بمثل أن یعتمد علیه رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی مشیته، وهو فی مرض موته، لأنها لا تحب أن تذكره بخیر أبداً.. هی نفسها عائشة التی تذكر حدیث الرسول (صلى الله علیه وآله) ومدحه العظیم لقاتل «الخوارج».


وثانیاً: إنها حین سمعت بقتل أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) على ید خارجی ـ وهی التی تروی عن رسول الله (صلى الله علیه وآله): أن «الخوارج» شر الخلق والخلیقة، وان علیاً خیر الخلق والخلیقة، وانه (صلى الله علیه وآله) قال عن قاتل ذی الثدیة: یقتله خیر أمتی بعدی. وعلی (علیه السلام) هو الذی قتله..


نعم إنها حین سمعت بقتل ابن ملجم الخارجی، لعلی (علیه السلام).. لم تتمالك نفسها عن إبداء الفرح العظیم.. فبادرت إلى عتق غلام لها أسود وسمته: عبد الرحمن، حباً منها بعبد الرحمن بن ملجم، حسب


____________



(1) الجمل ط سنة 1413 هـ. ص158، وطبقات ابن سعد ج2 ص231 و232 ط سنة 1405 هـ. ومسند أحمد ج6 ص38 و288، والمستدرك على الصحیحین ج3ص56، والسنن الكبرى ج1ص31، والإحسان ج8 ص198، وصحیح البخاری ج1ص162 ط سنة 1401 هـ. دار الفكر بیروت. وصحیح مسلم [بشرح النووی] ج4 ص138 و139، والصوارم المهرقة. ص105 والإرشاد ص164.













الصفحة 251


قولها(1).


وسجدت لله شكراً(2).


وفرقت أربعین دیناراً فی ضعفة مبغضی أمیر المؤمنین من تیم وعدی(3).


وقالت:


 









فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عینا بالإیاب المسافر(4)



وحین سمعت بنعیه (علیه السلام) استبشرت أو تمثلت بقول الشاعر:


 









فإن تك ناعیاً فلقد نعـــــاه نعی لیس فی فیه التـــراب



ثم قالت: من قتله؟


فقیل: رجل من مراد.


فقالت: رب قتیل الله بیدی رجل من مراد.


فقالت لها زینب بنت أبی سلمة: أتقولین مثل هذا لعلی؟ فی سابقته وفضله؟


فتضاحكت أو فضحكت، وقالت بسم الله، إذا نسیت ذكرینی(5).


____________



(1) راجع: تلخیص الشافی ج4 ص 158 والجمل ـ ط النجف ـ ص 84 والبحار ج22 ص234 وج32 ص341 و342 وقاموس الرجال ج10 ص475 والشافی ج4 ص356.


(2) مقاتل الطالبیین ص 47 والجمل ص 159 ط سنة 1413 هـ.


(3) الهدایة الكبرى ص 197.


(4) راجع: تاریخ الأمم والملوك ط دار المعارف بمصرج5 ص 150 ومقاتل الطالبیین ص 42 والكامل فی التاریخ ص 394 وطبقات ابن سعد ج3 ص 40 ط سنة 1405هـ. وتلخیص الشافی ج4 ص 157 والجمل ص 159 والبحار ج32 ص 340 و341 والصراط المستقیم للبیاضی ج3 ص 164 عن ابن مسكویه وتاریخ الطبری. والهدایة الكبرى ص196 و197 والشافی ج4 ص355.


(5) راجع المصادر المتقدمة فی الهامش السابق وأخبار الوفقیات ص 131 والاغانی.













الصفحة 252


وبعدما تقدم نقول:


لا ندری كیف نوفق بین هذه المواقف، وبین ما نقلته عن رسول الله من أن «الخوارج» هم شر الخلق والخلیقة، وأن من یقتلهم ـ وهو علی (علیه السلام) ـ خیر الخلق والخلیقة..


ثالثاً: لنفترض: أن عائشة قد انساقت هنا وراء انفعالاتها الشخصیة وحالاتها العاطفیة.. غیر أننا نقول:


ألف: إن ذلك أیضاً لا یمكن أن یبرر ذلك منها.. فان شماتتها بعلی لا تبرر حبها لعبد الرحمن بن ملجم، وعتق العبید، وتسمیتهم باسمه. وهو شر الخلق والخلیقة!!.


ب: لقد قتل خارجی آخر عزیزاً على قلبها، وهو صهرها، وقائد جیشها، ومحارب عدوها.. ألا وهو الزبیر بن العوام، فكیف أحبت «الخوارج»، وسمّت العبید بأسمائهم، وهم یكفرونها، ویقتلون أعز الناس علیها، خصوصاً من كان لقتله المزید من الإذلال لها، وإسقاط هیبتها، وكسر شوكتها؟!!


ج: إن علیاً قد حكم بالنار لقاتل ذلك الحبیب، حیث قال: بشر قاتل ابن صفیة بالنار ـ حسبما روی(1).


وقد كنا ننتظر منها أن تحزن لقتل خیر الخلق والخلیقة، حسبما ذكرته هی. وأن تبغض الخارجی الذی قتله، وهو ابن ملجم. وتبغض الخارجی الآخر الذی قتل مع «الخوارج» فی النهروان. وكان من أركانهم


____________



(1) مصادر هذا الحدیث كثیرة، فراجع على سبیل المثال: مسند أحمد ج1 ص 89 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج1 ص 236.













الصفحة 253


وهو عمرو بن جرموز(1).


ولأجل ذلك بشره علی (علیه السلام) بالنار، لا لأجل قتله للزبیر، وهو منهزم.. وبشارته (علیه السلام) له بذلك تأتی فی سیاق إخباراته (علیه السلام) عن الغیب.


ولكن الأمور تأتی من قبل أم المؤمنین لیس فقط على خلاف الشرع، وإنما على خلاف الطبیعة والسجیة فی أحیان كثیرة.


الزبیر قتل وهو منهزم:


قلنا إن الزبیر قد قتل وهو منهزم وإن بشارته (علیه السلام) لابن جرموز بالنار، إنما هو إخبار بالغیب عما سیؤول إلیه أمره من المروق من الدین وصیرورته خارجیاً، ولیس لاجل أن الزبیر قد تاب وانصرف عن الحرب، ولو كان لأجل ذلك لكان أقاده به، ولما طلَّ دمه.


وإنما قلنا: إنه قتل وهو منهزم، استناداً إلى نصوص كثیرة، نذكر منها ما یلی:


1 ـ إنه حینما ذكّر علی (علیه السلام) الزبیر بقول رسول (صلى الله علیه وآله) له: «أما انك ستحاربه، وأنت ظالم له».


رجع الزبیر إلى صفوفه، واتهمه ولده عبد الله بالجبن وقال له:


ما أراك إلا جبنت عن سیوف بنی عبد المطلب، إنها لسیوف حداد، تحملها فتیة أنجاد.


فقال الزبیر: ویلك، أتهیجنی على حربه؟! أما إنی قد حلفت ألا


____________



(1) تلخیص الشافی ج4 ص 145 وشرح نهج البلاغة ج1 ص 236 وج2 ص 168 والفصول المختارة للشیخ المفید ص 108 و109.














الصفحة 254


أحاربه.


قال: كفّر عن یمینك،لا تتحدث نساء قریش أنك جبنت، وما كنت جباناً.


فقال الزبیر: غلامی مكحول حر كفارة عن یمینی.


ثم أنصل سنان رمحه، وحمل على عسكر علی (علیه السلام) برمح لا سنان له.


فقال علی (علیه السلام): أفرجوا له، فإنه محرج.


ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل ثانیة، ثم ثالثة. ثم قال لابنه: أجبناً ـ ویلك ـ ترى؟!.


فقال: لقد أعذرت(1).


2 ـ وقد قال همام الثقفی:


 













أیعتق مكحولاً ویعصی نبیه لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق
أینوی بهذا الصدق والبر والتقى سیعلم یوماً من یبر ویصدق(2)



3 ـ وقد قال النجاشی الشاعر، فی رثائه لعمرو بن محصن الأنصاری:


 













ونحن تركنا عند مختلف القنا أخاكم عبید الله لحماً ملحّبا
بصفین لما ارفض عنه رجالكم ووجه ابن عتاب تركناه ملغبا



____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج1 ص234 تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم وراجع: تلخیص الشافی ج4 ص 150 و141 و142 و143 وراجع: الفصول المختارة ص 106 وتاریخ الطبری ج4 ص 502 ط دار المعارف بمصر والكامل فی التاریخ ج3 ص 240 و261 وتذكرة الخواص ص 71 وراجع البحار ج32 ص 205..


(2) البحار ج32 ص 205.













الصفحة 255


 









وطلحة من بعد الزبیر، ولم ندع لضبة فی الهیجا عریفاً ومنكبا(1)



4 ـ وروى البلاذری: أن ابن الزبیر لما جبَّن أباه وعیَّره، قال له: حلفت ألا أقاتله.


قال: فكفر عن یمینك.


فاعتق غلاماً له یقال له: سرجس. وقام فی الصف بینهم(2).


5 ـ و قال عبد الرحمن بن سلیمان:


 









لم أر كالیوم أخا إخوان أعجب من مكفر الأیمان

بالعتق فی معصیة الرحمن



6 ـ وقال رجل من شعرائهم:


 









یعتق مكحولاً لصون دینه كفارة لله عن یمینـــه

والنكث قد لاح على جبینه(3)



7 ـ وكتب (علیه السلام) إلى أهل الكوفة یخبرهم بالفتح، ویقول: «فقتل طلحة والزبیر. وقد تقدمت إلیهما بالمعذرة، وأبلغت إلیهما بالنصیحة، واستشهدت علیهما صلحاء الأمة، فما أطاعا المرشدین، ولا أجابا الناصحین الخ..»(4).


8 ـ وعن سلیم فی حدیث قال: ونشب القتال، فقتل طلحة، وانهزم


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص819 ط سنة 1964م.


(2) تلخیص الشافی ج4 ص 143 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص 167 وتاریخ الأمم والملوك ج4 ص 509 ط دار المعارف بمصر وأنساب الأشراف، [بتحقیق المحمودی] ج2 ص254.


(3) تلخیص الشافی ج4 ص 142 وتاریخ الأمم والملوك ط دار المعارف بمصر ج4 ص 502 وتذكرة الخواص ص 71.


(4) تلخیص الشافی ج4 ص136.













الصفحة 256


الزبیر(1).


9 ـ وعن الحسن قال: إن علیاً (علیه السلام) لما هزم طلحة والزبیر أقبل الناس مهزومین فمروا بامرأة حامل الخ(2).


10 ـ وذكر الحاكم: ان علیاً (علیه السلام) نادى فی الناس: أن لا ترموا أحداً بسهم ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسیف، ولا تطلبوا القوم.. إلى أن قال:


ثم الزبیر قال لأساورة كانوا معه: ارموهم برشق. وكأنه أراد أن ینشب القتال.


فلما نظر أصحابه إلى الانتشاب لم ینتظروا، وحملوا. فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة..الخ(3).


وهذا یدل على أن الوقعة الفاصلة قد حصلت بفعل الزبیر نفسه وحضوره، وان الهزیمة وقعت علیه وعلى أصحابه.


11 ـ وذكر الطبری: أنه «لما انهزم الناس فی صدر النهار نادى الزبیر: أنا الزبیر، هلموا إلی أیها الناس، ومعه مولى له ینادی: أعن حواری رسول الله (صلى الله علیه وآله) تنهزمون؟!.


وانصرف الزبیر نحو وادی السباع»(4).


12 ـ وذكروا أیضاً: أن كعب بن سور أقبل إلى عائشة، فقال: أدركی، فقد أبى القوم إلا القتال، فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم


____________



(1) البحار ج32 ص 217.


(2) البحار ج 32 ص 214.


(3) مستدرك الحاكم ج3 ص 371.


(4) تاریخ الامم والملوك ط دار المعارف بمصر ج4 ص 512.













الصفحة 257


بعثوا جملها، فلما برزت من البیوت وقفت واقتتل الناس، وقاتل الزبیر، فحمل علیه عمار بن یاسر، فجعل یحوزه بالرمح والزبیر كاف عنه، ویقول: أتقتلنی، یا أبا الیقظان؟.


فیقول: لا، یا أبا عبدالله.


وإنما كف عنه الزبیر لقول رسول الله (صلى الله علیه وآله): تقتل عماراً الفئة الباغیة. ولولا ذلك لقتله.


وبینما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شدیدة.. فقالت: ما هذا؟


قالوا: ضجة العسكر.


قالت: بخیر او بشر.


قالوا: بشر.


فما فجأها إلا الهزیمة.


فمضى الزبیر من سننه فی وجهه، فسلك وادی السباع، وجاء طلحة سهم غرب الخ(1).


أضاف ابن الأثیر قوله عن الزبیر: وإنما فارق المعركة، لأنه قاتل تعذیراً لما ذكر علی (علیه السلام)(2).


13 ـ ونص آخر یقول: «لما انهزم الناس یوم الجمل عن طلحة والزبیر، مضى الزبیر حتى مر بمعسكر الأحنف الخ»(3).


14 ـ وعن محمد بن ابراهیم قال: «هرب الزبیر على فرس له، یدعى


____________



(1) راجع: الكامل فی التاریخ ج3 ص 243 وراجع ص 262 وتاریخ الأمم والملوك ج4 ص 507.


(2) الكامل ج3 ص243..


(3) تاریخ الأمم والملوك ج4 ص534..













الصفحة 258


بذی الخمار، حتى وقع بسفوان، فمر بعبد الله بن سعید المجاشعی الخ»(1).


15 ـ وفی نص آخر: «هرب الزبیر إلى المدینة، حتى أتى وادی السباع، فرفع الاحنف صوته الخ..»(2).


16 ـ وعن أبی مخنف وغیره: مضى الزبیر حین هزم الناس یرید المدینة، حتى مر بالأحنف أو قریباً منه الخ(3).


17 ـ ولعل ما ذكره البلاذری إذا ضممناه إلى ما تقدم یصلح بیاناً لحقیقة ما جرى.


فقد روى عن قتادة، قال: لما اقتتلوا یوم الجمل كانت الدبرة على أصحاب الجمل، فأفضى علی إلى الناحیة التی فیها الزبیر، فلما واجهه قال له: یا أبا عبد الله، أتقاتلنی بعد بیعتی وبعد ما سمعت فی رسول الله فی قتالك لی ظالماً؟!.


فاستحیا وانسل على فرسه منصرفاً إلى المدینة، فلما صار بسفوان لقیه رجل من مجاشع یقال له: النَعر بن زمام، فقال له: أجرنی.


قال النعر: انت فی جواری یا حواری رسول الله.


فقال الأحنف: وا عجباً!! الزبیر لفّ بین غارین [أی جیشین] من المسلمین، ثم قد نجا بنفسه الخ (4).


فالمراد بانصراف الزبیر هو انصراف الهزیمة، لا انصراف التوبة كما هو


____________



(1) الجمل ص 387.


(2) الجمل ص 390.


(3) أنساب الاشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص254.


(4) المصدر السابق ج2 ص258.













الصفحة 259


ظاهر هذا النص إذ لو كان قد انصرف عن القتال على سبیل التوبة، لما احتاج إلى من یجیره. وقد صرحت سائر النصوص التی ذكرناها آنفاً بهذه الهزیمة.












الصفحة 260












الصفحة 261